| 6 minutes read

تأثير التوتر والقلق على أداء الرؤساء التنفيذيين

Written by Marian

في عالم الأعمال المتنامي والمتغير باستمرار، يقع على عاتق الرؤساء التنفيذيين مسؤوليات جسيمة، تنضوي على قيادة الفرق واتخاذ قرارات مصيرية، قد تؤثر على وجود الشركات بأكملها. في أغلب الأحيان، ترافق هذه المسؤوليات الكبيرة مشاعر التوتر والقلق والإرهاق الوظيفي، وتصبح جزءًا من حياتهم اليومية. وبالرغم من أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يتمتعون بالقوة والصلابة إلا أنهم ليسوا بمنأى عن التعرض إلى الإجهاد النفسي. 

لا تنحصر آثار التوتر والقلق بالصحة النفسية والجسمية فقط، وإنما تطال الأداء الوظيفي للقادة، وقدرتهم على اتخاذ قرارات مصيرية قد تؤثر على أداء الشركة. في هذا المقال نسلط الضوء على كيفية تأثير الإرهاق على الرؤساء التنفيذيين، وعوامل التوتر والقلق لديهم، وما هي الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها لتجاوز هذه التحديات.

ما هو الإرهاق الوظيفي؟

الإجهاد أو الإرهاق الوظيفي، وفقًا لمجلة «World Psychiatry» هو استجابة طويلة لضغوطات العمل المزمنة. تتسم بالإجهاد الشديد والتشاؤم والانفصال الشعوري عن العمل وانحسار الشعور بالقدرة على الإنجاز. إن تعرض الرؤساء التنفيذيين للإرهاق لا يؤثر على الجانب الشخصي فقط، وإنما على رفاهية فرقهم وشركاتهم. ويصبحون في بعض الأحيان عناصر معيقة لتطور الشركة والأعمال.

علامات تشير إلى إجهاد الرؤساء التنفيذيين:

– نقص الإبداع والابتكار.

– الانفعال وانخفاض الذكاء العاطفي عامةً.

– صعوبة التركيز واتخاذ القرارات.

– الإرهاق العقلي والعاطفي والجسمي.

– توتر العلاقات الشخصية.

– العزلة والابتعاد عن الزملاء.

التوتر والقلق يؤدي إلى توتر العلاقات الشخصية

العوامل الرئيسية للتوتر والقلق لدى الرؤساء التنفيذيين

تسهم عدة عوامل في إرهاق الرؤساء التنفيذيين. فقد يؤمن معظمهم بأن نجاح الشركة ومصدر رزق الموظفين يقع على عاتقهم، لذا تتطلب مسؤولياتهم اتخاذ القرارات بحرص شديد. كما يعاني الرؤساء التنفيذيون من العزلة في أغلب الأحيان، ويفتقرون إلى صحبة أقران يثقون بهم، مما يؤدي إلى تفاقم الشعور بالتوتر والقلق.

بالإضافة إلى ذلك، تؤدي العوامل الاقتصادية الخارجة عن سيطرتهم، مثل الأزمات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية والتكنولوجيا الناشئة إلى استنزاف طاقات قادة الأعمال.

إلا أن جذر الإرهاق الوظيفي يكمن في عدم إدراك الناس لشعورهم بالتوتر أصلًا. وذلك حسب رأي الطبيبة كاتي مايكوك، وهي طبيبة نفسية سريرية متخصصة في دراسة أحوال الرؤساء التنفيذيين. تقول الدكتورة: “يمارس الرؤساء التنفيذيون الضغط الداخلي على أنفسهم بشدة، لتحقيق الأداء وضمان نجاح الأعمال. وبالتالي يضّحون بسلامتهم البدنية والنفسية والعاطفية”.

بالإضافة إلى ذلك تؤكد الطبيبة مايكوك على أن الإرهاق الوظيفي غالبًا ما ينبع من إدمان الرؤساء التنفيذيين على الضغط، مدفوعين برغبتهم في تحقيق النجاح. ويدركون هذه المشكلة عندما تبدأ صحتهم بالتدهور أو مع انخفاض أدائهم على نحوٍ ملحوظ، وبحلول هذا الوقت تكون قد أصبحت حالتهم حرجة بالفعل. 

تأثير التوتر والقلق على أداء الرؤساء التنفيذيين

لا تترك الأرقام والاحصائيات مجالاً للتفاؤل، ففي عام 2023 ترك أكثر من 1900 رئيس تنفيذي وظائفهم وفقًا لصحيفة «The Wall Street Journal»، وتوفي 19 منهم في أثناء وجودهم في مكاتبهم، وهو رقم قياسي. أما الذين استمروا في أداء أعمالهم 82% منهم عانوا من الإرهاق الشديد، و96% منهم شعروا بتدهور صحتهم النفسية حسب دراسة أجرتها ديلويت.

وجدت دراسة حديثة لشركة كورن فيري أن أكثر من ٧٠٪ من الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين يُقرّون بمعاناتهم من “متلازمة المحتال”. حيث يُسهم الضغط الداخلي، إلى جانب المتطلبات الخارجية لقيادة المؤسسة، بشكل كبير في إرهاق القادة. فالعبء العاطفي الناتج عن محاولة إظهار الثقة بالنفس في أثناء مُكافحة الشك الذاتي، يُمكن أن يُؤدي سريعًا إلى الإرهاق الوظيفي والشعور بالعزلة.

أما على على صعيد العلاقات الأسرية والشخصية، تحدد طبيعة عمل الرئيس التنفيذي من نطاقها. إذ كثيرًا ما يضحون بقضاء الأوقات مع عائلاتهم وممارسة هواياتهم ورعاية أنفسهم لتلبية متطلبات العمل. وغالبًا ما يُعانون من صعوبة في الحفاظ على علاقات جيدة. فقد ذكرت «Financial Times» بأن معدل طلاق الرؤساء التنفيذيين أعلى من المتوسط. ووفقًا لبحث نشرته جامعة ستوكهولم في السويد “النساء اللواتي يشغلن منصب الرئيس التنفيذي عرضة أكثر للطلاق من الرجال”.

بالإضافة إلى كل ما سبق، يؤدي الإرهاق الوظيفي أيضًا إلى اضطرابات في النوم والتعب المزمن أو الإصابة بأمراض متكررة، مما يؤثر بشكل مباشر على إنتاجية الرئيس وصحته العامة. كما يسهم التعرض الإرهاق الوظيفي إلى تغير في سلوكيات القادة، مثل زيادة الأخطاء بسبب عدم التركيز، أو نشوء الخلافات مع أعضاء الفريق.

استراتيجيات الرؤساء التنفيذيين للتغلب على التوتر والقلق

1- أولوية العناية الذاتية

إن تبني أسلوب حياة يضع العناية النفسية والجسمية والعاطفية كأولوية هي استراتيجية غير قابلة للتفاوض. والعناية الذاتية تتجاوز فترات قصيرة من الراحة والاسترخاء، وإنما تشمل ممارسات يومية تعزز من صحة الجسم والوضوح الفكري والمرونة العاطفية.

تشمل العناية بالذات ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة والنوم لساعات كافية والاعتماد على نظام غذائي صحي ومتوازن. فهذه الممارسات ليست إلا أسس للحفاظ على الحيوية والأداء الفعّال لوظائف الجسم، كالتركيز والذاكرة والقدرة على اتخاذ القرارات. بينما إهمال هذه العادات قد يؤدي إلى تراجع في الأداء المعرفي والوظيفي والإصابة بالإرهاق النفسي.

كذلك، يسهم الانضمام إلى برامج العناية الطبية الفاخرة، التي تعتمد على الإدارة الاستباقية للصحة في الكشف عن الأمراض باكرًا، وتعزيز الرفاه الصحي للرؤساء التنفيذيين. أما ممارسة اليقظة الذهنية مثل التأمل والتدوين تساعد في إدارة التوتر وتحسين التركيز. إن الاستثمار في العناية الذاتية تؤدي غالبًا إلى التغلب على الإرهاق والحفاظ على شغف القيادة ودفع المؤسسات نحو النجاح.

ممارسة الرياضة تعزز من الرفاه الصحي

2- التعامل مع التوتر

من الضروري أن يدرك الرؤساء التنفيذيين ذواتهم وقدراتهم، وأن ينجزوا الأعمال تحت الضغط دون الوقوع في فخ الإرهاق الوظيفي. فالعمل تحت الضغط يمكن أن يكون إيجابيًا ويرفع من مستوى الأداء، بينما يجب إدارة التوتر بحكمة. وبهذا على الرؤساء التنفيذيين تعلم كيفية تحويل الضغط إلى صالحهم، دون تجاوز الحدود التي تؤدي إلى الوقوع في دوامة التوتر والإرهاق.  

في السياق ذاته،  نشرت الدكتورة علياء كروم، الباحثة الرئيسية في مختبر ستانفورد للعقل والجسم، حول الفرق بين اعتبار التوتر محسنًا للأداء أو منهكًا له.

فقد أثبتت الباحثة أن ما يحدد تأثير التوتر هو مفهوم الناس عنه. إذ كشفت دراساتها بأن من تلقوا تعليمًا حول فوائد التوتر واعتبروه محسنًا للأداء، تحسّن أداؤهم على نحو ملحوظ في المهام المعقدة. أما من درسوا الآثار السلبية والضارة للتوتر لم يتحسن أداؤهم. وتُشير كروم إلى نوعين من العقليات: عقلية مُحسِّنة للأداء وعقلية مُنهكة للأداء.

أما الكاتبة كيلي ماكغونيغال، مؤلفة كتاب “الجانب الإيجابي للتوتر: لماذا يُعدّ التوتر مفيدًا لك، وكيف تُتقنه”، تشير إلى أن التوتر ليس هو ما يقتل الناس، بل مزيج من التوتر والاعتقاد بأنه ضار”.

3- طلب دعم الأقران

يقدم التواصل مع مجموعات استشارية من الأقران أو مرشدي الرؤساء التنفيذيين مساحة سرية لمناقشة التحديات، والحصول على الدعم والاستشارة من قبل أطراف تواجه تحديات قيادية مماثلة. حيث يمكن الاستفادة من وجهات نظر موضوعية من رؤساء لا يملكون مصلحة شخصية في نتائج القرارات.

يساعد الاستماع إلى آراء الرؤساء التنفيذيين الذين مروا بتجارب مماثلة على اكتساب رؤى ثاقبة. فوجود مثل هذه المجموعات واستشارتها تتيح للقادة أن يكونوا مرجعًا للآخرين، ويقدموا لهم خلاصة خبراتهم الغنية وتجاربهم السابقة.

4- تفويض وتمكين الفرق

يصاب الرؤساء التنفيذيون بالإرهاق الوظيفي بسبب إدارتهم لكل جانب من جوانب الشركة. إلا أن التفويض الفعّال وتمكين الفرق من صنع القرار يسهم في بناء نهج مستدام لمسؤوليات الفرق. كما يخفف من التوتر والقلق لدى قادة الأعمال.

ومن جهة أخرى، قدرة القادة على التكيف مع الظروف المتغيرة في مكان العمل، وفهم حاجات الفرق، كالتوجيه أو توفير الموارد اللازمة أو التعاون، تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق النجاح. فبناء الثقة مع الفريق والسماح بتوزيع مسؤولية العمل بشكل أكبر، يعزز من آلية التعاون والابتكار، ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية.

تمكين الفرق من صنع القرار يسهم في بناء نهج مستدام

5- التواصل المباشر

قد يتردد بعض الرؤساء التنفيذيين في مشاركة فرقهم بالحقائق والتحديات التي يواجهونها. لكن من الضروري مشاركة الفريق التنفيذي بالوقائع، وذلك للارتقاء بتفكير الفريق إلى مستوى استراتيجي حول الرؤى والأهداف. إن طرح المزيد من الأسئلة على الفرق يسمح للجميع بكشف الحقائق وإيجاد الحل معًا.

يعني التواصل المباشر التخلي عن المحادثات عبر البريد الإلكتروني والتوجه إلى المناقشات وجهًا لوجه، سواء أكان ذلك شخصيًا أم افتراضيًا. فالتواصل الواضح يبدد الغموض ويوطّد العلاقات في الوقت نفسه. أما الحوار المفتوح يعمل على بناء الثقة بين الفرق، وبذلك ترتفع معنوياتهم وتزداد إنتاجيتهم.

6- تخصيص الوقت للتفكير الاستراتيجي

يمنح تخصيص الوقت للتخطيط الاستراتيجي الرؤساء التنفيذيين فرصة الابتعاد عن المهام اليومية، ليتمكنوا من تقييم الأولويات وتحديد أهداف واضحة وقابلة للتحقيق. كما يساعدهم في التركيز على نمو المؤسسة واستدامتها بدلًا من الانشغال المستمر بالعمليات التشغيلية الروتينية.

7- تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية

يساعد الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية في التغلب على مشاعر الوحدة وتحسين الصحة العامة، وذلك من خلال تخصيص وقت للهوايات وممارسة الأنشطة العائلية والاستراحة لفترات قصيرة يوميًا.

أما بناء علاقات متينة مع الآخرين يمد القادة بالدعم والرؤى القيّمة التي تعزز نجاحهم. في المقابل، يؤدي الإرهاق الوظيفي إلى تراجع الأداء، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية كظاهرة مهنية تحت مسمى “Founder Burnout”.

يُعد الإرهاق الوظيفي من أبرز التحديات التي يواجهها الرؤساء التنفيذيون. إذ يؤثر كلًا من التوتر والقلق على الأداء والصحة العامة، ما لم يتولى القادة إدارتها على نحوٍ فعّال. ومن خلال تبني استراتيجيات مثل تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، طلب دعم الأقران، تمكين الفرق، يمكن للقادة تجاوز هذه التحديات بنجاح. في النهاية، تؤدي الإدارة الفعّالة للتوتر والقلق إلى تحسين الأداء المهني، وتعزيز الصحة النفسية والجسمية، الأمر الذي ينعكس إيجابيًا على نجاح المؤسسة واستدامتها.

المصادر:

Science Direct

Glenn Gow

INC

EGN

اقرأ/ي أيضًا:

التألق وتجديد الحيوية مع العلاج بالخلايا الجذعية

لماذا تُعد الصحة العقلية مهمة وكيف تعززها؟

الغضب أثناء القيادة وكيف تحفز نفسك على مواجهته؟


Originally published مارس 28, 2025 14:24:51 مساءً, updated مارس 28, 2025

Don't forget to share this post!