كيف تؤثر الصحة النفسية والجسمية في نجاح الرؤساء التنفيذيين
ما الذي يجعل بعض الرؤساء التنفيذيين أكثر نجاحًا من غيرهم؟ هل هو الذكاء الاستثنائي؟ أم الخبرة والمعرفة؟ أم الصلابة والعزيمة؟ أو لعلها توليفة من هذا وذاك. في الواقع، لا يكمن السر في المهارات الإدارية وحدها، وإنما في الحفاظ على الصحة النفسية والجسمية اللتين تشكلان أسس القيادة الفعّالة.
يرزح الرؤساء التنفيذيون تحت وطأة ضغوط العمل في بيئة متغيرة ومتسارعة. ومع سعيهم في مجاراة حالة عدم اليقين الاقتصادي وتحديات الذكاء الاصطناعي وبروز الصراعات الجيوسياسية، من المرجح أن يبقى مشهد تفاقم التوتر والإرهاق لدى الرؤساء التنفيذيين عما هو عليه. ذكرت «Forbes» أن 75% من المديرين التنفيذيين فكروا جديًا في الاستقالة لتحسين رفاهيتهم. وعلى وجه التحديد، غادر 622 رئيسًا تنفيذيًا مناصبهم خلال الربع الأول من عام 2024، وهو رقم قياسي. وأحد أبرز الأسباب في ذلك يعود إلى التوتر وتدهور الصحة النفسية.
يسلط المقال الحالي الضوء على أبرز الأخطار التي تواجه الرؤساء التنفيذيون، وأهمية الصحة النفسية والجسمية في تحسين الأداء المهني، وأبرز الاستراتيجيات لتعزيز القدرة على التحكم بالتوتر وتعزيز الازدهار الشخصي والنمو النفسي.
صعوبات تحقيق التوازن بين الصحة النفسية وضغط العمل
معظمنا على دراية بأن تحقيق التوازن بين الصحة النفسية والجسمية وضغوط العمل مسألة جذابة وضرورية. لكنها على أرض الواقع صعبة التحقيق، ولاسيما مع ضغوط المهام والأعمال التي تواجه القادة والرؤساء التنفيذيين.
يميل قادة الأعمال إلى بذل الجهود الطاحنة لتحقيق النجاح، ودفع الفريق والشركة والعائلة إلى مزيد من النمو، ولو على حساب حاجاتهم الشخصية. التضحية على حساب الصحة الشخصية مسألة تحتاج إلى إعادة نظر. وقد آن الآوان لإعادة صياغتها كجزء أساسي من القيادة الفعّالة لا الترف الشخصي.

الأخطار الصحية المحتملة التي تواجه الرؤساء التنفيذيين
ما من شك بأن الصحة النفسية عامل مهم في تحديد إنتاجية الرئيس التنفيذي ومسيرته المهنية. فقد نشرت العديد من الصحف أمثلة عجز فيها المدراء التنفيذيون لشركات كبيرة عن العمل بسبب أزمات صحية. بالإضافة إلى وفاة رؤساء إثر تعرضهم لأزمات قلبية مثل جيرالد فيشرمان، رانجان داس، جيمس كانتالوب.
ومع عدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم والصراعات العالمية، يتأثر العاملون في جميع القطاعات بالتحديات الصحية، والقيادات العليا ليست باستثناء.
صرّحت «Deloitte» أن ما يقرب 70% من كبار المديرين التنفيذيين يفكرون جديًا في ترك وظائفهم، للاهتمام بصحتهم النفسية. وأن نحو 1 من 3 رؤساء تنفيذيين يعانون باستمرار من التعب وتدهور الصحة النفسية.
ووفقًا لمسح أجراه البروفيسور كيندي في عام 2012 بعنوان «CEO Health and Wellness Survey»، فإن الأخطار التي واجهت الرؤساء التنفيذيين المشاركين في المسح هي:
– 58.97% معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب.
– 35.90% يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
– 12.82% معرضون لخطر الإصابة بمرض السكري.
– 23.08% يعانون من ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
بالإضافة إلى ذلك، تسهم الامتيازات الإدارية التي يتمتّع بها الرؤساء التنفيذيون، مثل أحدث السيارات والسائقين والفنادق خمس نجوم، في اتباع أسلوب حياة خامل وكسول. واعتمادًا على ما سبق، وجد المسح ذاته أن 82.05% من الرؤساء التنفيذيين يعانون من زيادة الوزن. وأن 69.23% منهم لا يتمتعون باللياقة البدنية.
أهمية الصحة النفسية والجسمية للرؤساء التنفيذيين
يتعرض الرؤساء التنفيذيون إلى ضغوطات نفسية هائلة بسبب المسؤوليات الثقيلة الملقاة على عاتقهم، مثل اتخاذ قرارات مصيرية، إدارة فرق العمل، التعامل مع توقعات المستثمرين، وغيرها الكثير. الصحة النفسية واللياقة البدنية الجيدة تمنح الرئيس التنفيذي القدرة على تحفيز فريقه والتعامل مع التحديات بمرونة. إن تبني استراتيجية وقائية للصحة مثل ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي والنوم جيدًا يساعد في الحفاظ على الأداء الأمثل في بيئة العمل القيادية.
لقد أظهرت دراسات في علم الأعصاب بأن دماغ الشخص البالغ العادي يستهلك في حالة الراحة 20% من طاقة الجسم. وهي عملية مكلفة من حيث استهلاك الطاقة. فالتغذية الصحية والتمارين الرياضية تؤثران على الوظائف العقلية.
نشرت كلية الطب بجامعة هارفارد أن الدماغ يحتاج إلى طاقة مستمرة ليعمل بكفاءة، وهذه الطاقة تأتي من الطعام. وتناول أطعمة غنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة يحمي الدماغ من الضرر التأكسدي. بينما يؤدي استهلاك الأطعمة المصنّعة والغنية بالسكريات المكررة إلى التهاب وضعف وظائف الدماغ، مع احتمالية الإصابة باضطرابات المزاج كالاكتئاب على سبيل المثال.
إن جسم الإنسان مصمم للنشاط البدني، وممارسة التمارين الرياضية تكسب الجسم فوائد بيولوجية ملموسة تعزز الصحة والشعور بالسعادة. كما تعمل التمارين الرياضية على خفض أخطار الإصابة ببعض الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والسكري، وتحسن من عمل وظائف الدماغ مثل الذاكرة. في حين تحفز التمارين الرياضية من إنتاج جزيئات مثل “BDNF” و “VEGF” و”IGF-1″ التي تعزز نمو الخلايا العصبية والأوعية الدموية، وتزيد من تدفق الدم إلى الدماغ، مما ينشط القدرة على التعلم ويرفع كفاءة وظائف الدماغ، وفقًا لـما نشرته «National Library of Medicine».

استراتيجيات فعّالة لحماية الصحة النفسية والجسمية
1- النظام الغذائي المتوازن
يساعد اتباع نظام غذائي صحي الرؤساء التنفيذيين في تعزيز الطاقة وتحسين التركيز. فالأطعمة الغنية بالمغذيات تخفف التوتر وتعزز المناعة وتحافظ على صحة القلب. كما يسهم تناول وجبات متوازنة في تحسين جودة النوم واللياقة البدنية. فيصبح القادة أكثر قدرة على مواجهة التحديات بكفاءة ووضوح ذهني.
يتكون النظام الغذائي الصحي من عناصر متنوعة مثل الحبوب كالقمح والشعير والذرة، والبقوليات كالعدس والفاصولياء، والفاكهة والخضراوات، ومصادر حيوانية كاللحوم والأسماك والبيض والحليب. أما الخضروات والفواكه مصادر مهمة للفيتامينات والمعادن، تقلل خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والسكتة الدماغية وأنواع معينة من السرطان.
يؤثر نوع الطعام على سرعة تحوله إلى طاقة. فالمأكولات السكرية تعطي دفقة فورية للطاقة لكنها سرعان ما تتلاشى، وتؤدي إلى الشعور بالإرهاق والرغبة في تناول المزيد من السكريات. من جهة أخرى، توفر الحبوب الكاملة والدهون الصحية طاقة مستدامة تدعم نشاط الجسم على مدار اليوم، وتحافظ على النشاط والتركيز.
2- الفحوصات الدورية المنتظمة
يواجه الرؤساء التنفيذيون ضغوط عمل هائلة تؤثر على صحتهم الجسمية والنفسية. والقيام بالفحوصات الطبية الدورية مسألة ضرورية للكشف المبكر عن المخاطر الصحية. ورغم أن العديد من الرؤساء التنفيذيين يخضعون للفحوصات الروتينية، يتعرض البعض لأزمات صحية مفاجئة، مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
تكشف حوادث عديدة عن الفجوات الموجودة في الرعاية الصحية التقليدية، والحاجة الملحة إلى المراقبة الصحية الشاملة والمستمرة، واعتماد برامج تعتمد على الإدارة الاستباقية للصحة، لضمان أداء الرئيس التنفيذي على أكمل وجه.
لماذا تعد الفحوصات الطبية الشاملة ضرورية للرؤساء التنفيذيين؟
– الكشف المبكر عن الأمراض: تساعد الفحوصات الدورية في الكشف عن الأمراض المزمنة قبل تفاقمها مثل أمراض القلب والسكري والسرطان.
– الوقاية من المشكلات الصحية الصامتة: بعض الأمراض مثل الرجفان الأذيني قد لا تظهر أعراضها حتى تتسبب في أزمة صحية خطيرة.
– تعزيز الصحة الذهنية والبدنية: تساعد الفحوصات في مراقبة مؤشرات الإرهاق المزمن ومستويات التوتر.
– تفادي الفجوات الصحية التقليدية: الاعتماد على الفحوصات السريعة قد لا يكشف عن المشكلات الصحية، مما يجعل المراقبة الشاملة ضرورية للوقاية الصحية.
– تحسين الإنتاجية والأداء المهني: الرؤساء التنفيذيون الذين يتمتعون بصحة جيدة أكثر قدرة على التفكير الإستراتيجي وقيادة الفرق بكفاءة.
3- النوم جيدًا
يستهين معظم الناس بمن فيهم الرؤساء التنفيذيين بأهمية النوم. فالحرمان من النوم الجيد يؤثر سلبًا على أداء الموظفين، حيث يضعف المعنويات والتواصل والتركيز والإبداع. تشير «Forbes» إلى أن 62% من سكان العالم لا يحصلون على الحد الأدنى من النوم وهو سبع ساعات يوميًا، مما يرفع من مخاطر الوفاة بنسبة 29%. النوم جيدًا ليس ترفًا بل ضرورة، ولا سيما للرؤساء التنفيذيين، الذين تنطوي أعمالهم على ضغوطات هائلة في اتخاذ القرارات وقيادة المؤسسات. بينما النوم جيدًا يعزز التفكير السليم والإنتاجية والذكاء العاطفي والقدرة على الابتكار.
أهم فوائد النوم الجيد:
– تحسين عملية اتخاذ القرار.
– زيادة الإنتاجية والكفاءة.
– تعزيز الذكاء العاطفي والقدرة القيادية.
– دعم الإبداع والابتكار.
استراتيجيات لتحسين جودة النوم:
– الالتزام بروتين نوم ثابت.
– تهيئة بيئة نوم مريحة وهادئة.
– تقليل استهلاك المنبهات قبل النوم.
– تطبيق تقنيات الاسترخاء لتقليل التوتر والقلق.
4- التمارين البدنية بانتظام
الصفاء الذهني ضروري للرئيس التنفيذي عند اتخاذ القرارات ولاسيما منها المصيرية. وقد ثبت أن النشاط البدني المنتظم يُحسن الوظائف الإدراكية والذاكرة.
كيف يحدث ذلك؟ تزيد التمارين الرياضية من تدفق الدم إلى الدماغ، مما يسمح بوصول أفضل للأكسجين والمغذيات إلى المناطق المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرار وحل المشكلات.
وفقًا لكلية الطب بجامعة هارفارد، إن ممارسة التمارين في الهواء الطلق بانتظام، مثل الجري أو ركوب الدراجات الهوائية، يزيد في الواقع من حجم الحُصين، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن الذاكرة والتعلم.
كثيرًا ما أفاد الرؤساء التنفيذيون بعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام على أن تركيزهم بات أعلى، ومهاراتهم في حل المشكلات أسرع، ولاحظوا تحسن عام في الصفاء الذهني. إن هذه الفوائد المكتسبة من اللياقة البدنية يمكن أن تشكل للرؤساء التنفيذيين الحد الفاصل بين النجاح والركود.
5- تقنيات إدارة التوتر
في خضم الضغوط اليومية والقرارات المصيرية المرهقة، يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى أدوات وتقنيات فعّالة للحفاظ على التركيز والهدوء. إليك طرق مبتكرة لإدارة التوتر:
– العلاج بالطبيعة الافتراضية: ما من شك في أن الخروج إلى الطبيعة هو أفضل طريقة لخفض التوتر، لكن في حال عدم القدرة على مغادرة المكتب يمكن استخدام بيئات الواقع الافتراضي، لمنح الدماغ فسحة التجول في أجواء الطبيعة مع صوت نهر أو حفيف الأشجار أو زقزقة العصافير.
– استراحات قصيرة: يجب تخصيص استراحة قصيرة من 5 إلى 10 دقائق كل ساعة، لشحن الطاقة وتغذية المرونة الذهنية وتخفيف التوتر.
– العلاج بالفن والموسيقى: يخفض الانخراط في الأنشطة الإبداعية من مستوى الكورتيزول، ويحسن المزاج واليقظة الذهنية. أما الموسيقى تحفز من إنتاج الدوبامين وتساعد على تنظيم المشاعر والشعور بالاسترخاء.
– الأنشطة الخيرية: يتيح العمل التطوعي أو خدمة المجتمع فرصة الهروب من ضغوط العمل وخلق الشعور بالرضا والرفاهية النفسية.
إن دمج هذه الأساليب في الحياة اليومية يمكن أن يحدث فرقًا ملموسًا في القدرة على مواجهة التحديات دون الشعور بالإرهاق.

6- التواصل الاجتماعي والدعم النفسي
يسهم كلًا من التواصل الاجتماعي والدعم النفسي في نجاح أي رئيس تنفيذي إلى حدٍ كبير، فوجود شبكة دعم قوية من الأقران في العمل أو العائلة أو الأصدقاء الموثوقين ترفع من القدرة على التحمل العاطفي، والتعامل مع التحديات بمرونة أكبر.
يمكن للدعم الاجتماعي أن يوفر منظورًا جديدًا للأزمات، وأن يساعد في اتخاذ قرارات صحيحة ومتوازنة، بالإضافة إلى التخفيف من وطأة الضغوط. يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى بيئات داعمة تتيح لهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم بحرية، مهما تمتعوا بقدر عالٍ من الاستقلالية، وذلك لتحسين أدائهم واستقرارهم النفسي.
في النهاية، مع استلام الرؤساء التنفيذيين قيادة الشركات، في ظل تحديات إدارية واقتصادية وتكنولوجية وجيوسياسية، تبرز ضرورة العناية بالصحة النفسية والجسمية، كأسس جوهرية للقيادة الفعّالة. إذ يضمن أسلوب الحياة المتوازن والصحي الأداء المهني الأمثل للقائد من حيث التركيز والابتكار واتخاذ القرارات السليمة. أما تبني استراتيجيات فعّالة لتعزيز الصحة هو استثمار طويل الأمد في القيادة المستدامة، وضمان للنمو الفردي والازدهار المؤسساتي، في عالم تتزايد تعقيداته يومًا بعد يوم.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
برنامج لونجيفتي الطبي: العلاج بالخلايا الجذعية
Originally published مارس 28, 2025 14:27:56 مساءً, updated مارس 28, 2025